محمود يوسف خضر
ضيف على الحياة
محمود يوسف خضر
كاتب فلسطيني ، مقيم في أبوظبي
محمود يوسف خضر
كاتب فلسطيني ، مقيم في أبوظبي
الجمعة، ديسمبر 03، 2010
الفضيلة الناقصة
نثر العشب المقدس
في إحدى ليالي الصيف، عندما اكتمل القمر وانعكست صورته على ضفاف نهر التايمز، تذكرت مصير “أراخني” التي تطاولت على ”مينرفا([1])” وادّعت أنها لا تقل مهارة في الغزل عنها، فتنكرت مينرفا على هيئة عجوز وتوكأت على ظلال حياتها وبادرت أراخني قائلة:
ضيف على الحياة
إزاحة الستار عمّا غاب من أخبار
بعدما خرجوا من يافا ، العام 1948م حاملين معهم مفاتيح بيوتهم وأولادهم والأمل في قلوبهم ، أخذ الناس يعتادون شيئاً فشيئاً على الحياة بعيداً عن بلادهم .كانوا يعتقدون بأن غيبتهم لن تطول لأكثر من أسبوعين، …. كان من سيصبح أبي في مصر ـ آنذاك ـ يمضي إجازته، أما مَن أصبحت والدتي، فقد هاجرت مع عائلتها إلى مصر، حيث تعرَّفت على والدي ، وتزوَّجا في صيف العام 1952.ذات يوم مصري خريفي ، كان محمَّلاً بالرياح الخماسين ، وُلدت ليلى ، البكر في الأسرة الصغيرة. لكن ، قبل أن تنطق بالأحرف الأولى ، ولم تكن قد أتمَّت بعد عامها الأول ، توفيت إثر إصابتها بحمّى لم يستطع الأهل علاجها منها. اعتاد الناس في تلك الأيام ، النظر عبر النوافذ ، لعلهم يلمحون مَن يحمل لهم أنباء عن قرب موعد العودة ، الذي أخذ يبتعد بمرور الزمن . كثيرون بدأوا البحث عن عمل لسدّ حاجات الحياة ، فافتتح جدي لأمي محلين للبقالة ، في حين كان والد جدتي من أوائل الأطباء في يافا، وفتح جدي لأبي محلاً لبيع الأقمشة ، وكان تاجراً معروفاً في سوق البلابسه في يافا ، ولا زالت بيارات البرتقال تحمل اسمه إلى الآن.ونظراً لظروف الهجرة ، لم يُكمل والديَّ دراستهما الجامعية . ومضت الأيام وهي حُبلى بما ستلده من أحداث . وعند فجر أحد الأيام الباردة من العام 1956 ، حيث كانت الأمطار الغزيرة تتسابق لامتطاء صهوات الرياح ، وسط موجات الرعد الهادر والبرق الذي يشقّ بضوئه عتمة الظلام ، وفي المنزل الصغير الواقع في حي مصر العتيقة ، جئت ضيفاً على الحياة. أذكر من طفولتي أنَّ الشقة التي كنا نقطنها كانت صغيرة ، غرفها شحيحة الضوء ، في كلٍّ منها نافذة تطل على الشارع . وفي الغرفة الداخلية ، نافذة تطل على “المنور”.
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)