محمود يوسف خضر

ضيف على الحياة

محمود يوسف خضر
كاتب فلسطيني ، مقيم في أبوظبي

الأربعاء، فبراير 22، 2012

محمود خضر: الإرث الفكري العربي يعتمد على الخرافة


مقابلة صحافية

العدد 8795 من صحيفة الخليج اليومية الموافق الأربعاء ربيع الثاني 1424 هـ 18 يونيو 2003م
مؤسسة "بروتا" للسلام ترجمت أحد كتبه إلى الإنجليزية
محمود يوسف خضر: الإرث الفكري العربي يعتمد على الخرافة
الباحث محمود يوسف خضر مولع إلى حد كبير بطرح التساؤلات ومحاولة البحث عن أجوبة لها، فمنذ كتابه الأول (في حقائق الوجود) مرورا ببحثه الذي أعاد طرح موضوع الفنون الإسلامية من زاوية جديدة، وهو يثبت أن المهمة الأكثر أهمية التي يجب أن يضطلع بها المثقف العربي الآن هي التساؤل والبحث عن أجوبة بهدف احداث رجة من شأنها تحطيم الأساسات الهشة التي تشوه خلاصات الفكر العربي، ولا يستطيع الفكاك من أسرها من أجل الانطلاق قدماً في سبيل التنمية.


ويصف خضر محاولاته في هذا الصدد بأنها " قد تبدو هزيلة إلا أنها في الوقت ذاته ضرورية من أجل خلق الرغبة في الإدراك فالإقدام".
خلال أيام تصدر الطبعة المترجمة إلى الإنجليزية من كتاب خضر "في حقائق الوجود) الذي صدرت طبعته العربية منذ فترة من ضمن اصدارات المجمع الثقافي في أبو ظبي.
ويذكر أن مؤسسة "بروتا" العالمية للسلام ومقرها الولايات المتحدة الإمريكية هي التي تبنت عملية الترجمة وعهدت بالكتاب بعد ذلك إلى البروفيسور "كريستوفر تنجلي" الخبير في هذا المجال ليقوم بمهمة تدقيق الكتاب بلغته الانجليزية.
والكتاب يضم مجموعة من مقالات الباحث المنشورة في صحيفة "الحياة" يربطها خيط واحد هو "الاسطورة" وبالتحديد الأساطير الإغريقية في محاولة منه لإسقاطها على الواقع ومعالجة تفاصيله من خلالها، وفي أجواء طروحات هذا الكتاب كان لنا مع صاحبه محمود خضر اللقاء التالي:
#ما الجديد في رأيك الذي قدمته من خلال كتابك (في حقائق الوجود) جعله يحظى باهتمام واحدة من المؤسسات العالمية إلى حد تبني ترجمته إلى الانجليزية؟
@قد تتشابه وتتطابق مكونات "طبق المعكرونة" إلا أن المذاق يختلف من مطبخ إلى آخر، فمهارة الطاهي وثقافته تلعبان دورا رئيسا في ذلك، وكذلك تحدد ثقافة المتذوق ما يتناوله من طعام، وأنا لم أكن سوى طاه لمجموعة من المفكرين، وأعتقد أن إعادة انتاج المعرفة بشكل جديد تشكل إضافة في حد ذاتها.
في الكتاب لا أدعي تقديم نظرية معرفية جديدة، وإنما أقدم نسقا جديدا لم يذهب إليه أحد من قبل، أستخدم فيه الأسطورة والفكر العلمي المعاصر، في محاولة لإزالة الثقة العمياء عما هو بديهي وفقا لنسقنا الفكري، ولا نستطيع تجاوزه نحو الأكثر رقيا لمجرد اعتقاد لم يخضع للتمحيص.
من خلال هذه القراءة استوعبت أساطير الأزمنة المعاصرة بالمعنى المعاصر للأسطورة كما استوعبت مقدسات الشعوب في أزمنة غابرة، وهكذا فإن أنموذج القيم والبديهي أمور تختلف وتتفاوت من مجتمع إلى آخر ومن زمن إلى آخر، وهي نتيجة تدعونا إلى أن نرتقي بأسلوب تفكيرنا وأن نفكر بشكل علمي وعملي وأن نسعى إلى تطوير نظريتنا المعرفية لتتناسب والتطورات العلمية التي تحدث كل يوم.
#تميز أسلوبك بالكثير من التلقائية والبساطة بحيث تبدو المسألة سهلة لكنها ليس كذلك.. هل تعمدت مخاطبة القارئ بهذه الطريقة وأن تعرف أنك تعالج مسألة فلسفية عميقة إلى حد كبير؟
@كان هدفي أن أصل بالقارئ إلى عدم اليقين من أجل حفزه على التفكير وكشف العلاقات بين الأحداث والأشياء، ولذا بدأت بالأفكار التي تبدو لنا الآن مجرد أساطير وخرافات بينما كانت – هي نفسها – حقائق تحكم سير مجتمعات بكاملها، وكذلك عرضت للأفكار الأولى لتفسير الكون ونشأته والتي كانت تعد في وقتها فتوحا عظيمة فبدت لنا الآن أحاديث أطفال.
وهنا تبرز المفارقة بين الأسطورة والتاريخ، فالاسطورة تخرجنا من الزمن عبر وهم فهم الكون ووهم معرفة الحقيقة. بينما يدخلنا التاريخ إليه عن طريق التشديد على المعنى والمحتوى الكامن في تسلسل الأحداث. لذا أرى ضروريا أن نحترم الأساطير، فهي الجوهر العميق لتاريخ الفكر البشري لكن علينا ألا نقدسها ولأنها كفيلة باخراجنا من الزمن ومن التاريخ.
قانونية عقوبة الإعدام
#خصصت فصلا كاملا لمناقشة عقوبة الإعدام تاريخيا وعرضت لتياري التأييد والمعارضة وأفكار كل منهما من دون أن تبدي رأيك الخاص.. هل أسهم تخصصك في مجال القانون ودراساتك العليا فيه، في توجيه نظرك إلى مثل هذا الموضوع، وما الداعي لإثارته وسط مجموعة التساؤلات التي أثرتها في طابع فلسفي؟
@أنا لم أتناول عقوبة الإعدام من وجهة نظر شخصية إنما استعرضت وجهتي نظر المطالبين بإلغاء تلك العقوبة وأولئك الداعين إلى الإبقاء عليها، أما وجهة نظري الشخصية فلا أهمية كبيرة لها، فأنا أطرح المشكلة لكي نفكر فيها ولكي نبحث معا عن أفضل الطرق للتقليل من الجرائم مع اعلاء قيمة احترام الحياة الإنسانية وتقديرها.
ومن المؤكد أن دراساتي العليا التي أجريتها في القانون الجنائي سهلت الأمر عليّ. إلا أن الموضوع فلسفي في النهاية، ذكرت أن الإحصاءات أثبتت أن نسب الجريمة لم تزد في الدول التي ألغت هذه العقوبة، بما يعني أن عقوبة الإعدام لم يكن لها دور في ردع المجرمين، كما أن الخطأ في عقوبة الإعدام من النوع الذي لا يمكن اصلاحه أو التعويض عنه، والخطأ هنا وارد نظرا للتعقيدات الكثيرة التي أصابت أشكال العلاقات. ولم تعد الحياة في بساطتها الأولى، والمفهوم الحديث للعقوبة يهدف إلى الردع والإصلاح وتأهيل الجاني وتقويم سلوكه بهدف إعادته إلى المجتمع مرة أخرى إنسانا سويا قادراً على التعامل معه والاندماج فيه.
#هناك من يرى أنه لم يعد هناك مجال للفلسفة وسط وقع أقدام التطور العلمي التجريبي.. كيف ترى أنت ذلك؟
@قد يعتقد البعض أن الفلسفة تفكير تأملي عقيم، في مقابل أن العلم تفكير منطقي مبني على التجريب، لكن الحقيقة أن الأصل في كليهما هو النظر والتفكير والتجريب من أجل معرفة تعيد خلق حياتنا في صورة أفضل، وإذا أمعنت النظر في التاريخ البشري تجد أن تطور العلوم والفلسفة ارتبط كل منهما بتطور الآخر أو نتج عنه فـ "ديكارت" اعتمد على ما وصل إليه "جاليليو" ومحاولات "هيوم" في الفلسفة ما كانت لتتم لو لم يكن "نيوتن" توصل إلى نظريته في الجاذبية، وهكذا فإن التقدم المذهل في علوم الاتصال وتطبيقاتها هي الأساس في نظرية العولمة وفلسفتها، فلا نستطيع التسليم بتراجع الفلسفة بهذه السهولة، وكما يقاس تقدم الدول بانجازاتها ودخلها القومي، يقاس تقدم الشعوب بقدرة أبنائها على التفلسف في كافة أمورهم الحياتية حتى أن مارسوا ذلك من دون أن يدركوه.
#دعوت إلى إعادة النظر في الانساق الثقافية العربية من أجل دخول العالم الجديد.. كيف يمكن البدء في ذلك عمليا؟
@الإرث الفكري العربي يعتمد على الخرافة، والثورة الفكرية لا تأتي فجأة ولا يقوم بها شخص واحد، وإنما هي مرحلة تسلم حصيلتها إلى مرحلة تالية، وأعتقد أن البداية لا بد أن تطلق من خلال بث الوعي المعرفي المعتمد على التفكير العلمي، كلما توغلنا في هذا الاتجاه استطعنا تشكيل الجيل الأول القادر على التعامل مع معطيات العصر، وقد تمثل نقاط كثيرة خط البداية لدينا، لكن أهم هذه النقاط هو محو الأمية التي يعاني منها أكثر من نصف العالم العربي. وكذلك اعطاء المرأة حقوقها الطبيعية في المشاركة، ثم المواجهة العقلانية لكل ما هو غير عقلاني، فالعقل العلمي هو الوحيد القادر على النقد من أجل التطور، بينما اللاعلمي يكرس الواقع بكل ما فيه من سلبيات ويؤدي إلى مزيد من التخلف.. والثورة الفكرية المنشودة تبدأ من النخبة وتهدف إلى خلق وتأسيس قواعد وقوانين ومناهج فكرية علمية في كل الميادين، كما أن المؤسسات والأفراد مدعوون إلى اعتماد الخطط والتخطيط في تسيير أمورهم، وهكذا يتم الانتقال من الغموض إلى النظام وادخال المنهج العلمي في التعامل بدلا من العشوائية والتخبط.
انموذج الامارات البحثي
#داخل هذا الإطار ما هو تقويمك لمحاولات الحفاظ على الهوية وتدوين التراث، والكشف عن الآثار وكتابة التاريخ على امتداد الوطن العربي؟
@أتكلم عن دولة الإمارات بشكل خاص، إن سعة الأفق لدى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة – حفظه الله – وإصراره على المتابعة الدقيقة لخطوات التنمية في الإمارات أتاحا هامشاً كبيرة من الحرية التي سمحت لكل المهتمين بالبحث والانتاج، ففي الإمارات توجد أبحاث ودراسات في مجال التاريخ والفنون تحديدا قلما تجري في أي بلد عربي آخر، وهو شيء لافت ودليل على أن البحث العلمي في الإمارات استطاع أن يؤسس لمستوى من الموضوعية جدير بالإشادة، خذ مثالا على ذلك ما يتم نشره من دراسات وكتابات في مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية وفي مركز زايد، وكذلك في المجمع الثقافي وغيره.
وفي ما يخص الآثار في الدولة فجدير بالإشارة إلى أ ن الفريق الركن طيار سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس أركان القوات المسلحة موّل بنفسه عددا من بعثات التنقيب عن الآثار داخل أبو ظبي، كما أن إمارتي الشارقة ورأس الخيمة مهتمتان بهذا الموضوع، وأخلص إلى أن دولة الإمارات انموذج يحتذى به بشكل حقيقي في مجال الحفاظ على التراث.
#من خلال احتكاكك بالساحة المحلية ماذا يمكن أن تقول عن الحراك الثقافي في الإمارات؟
@هنا أيضا أعود فأؤكد على أن هامش الحرية والانفتاح الموجود في الدولة يسمح للفعل الثقافي بالازدهار، وأستطيع القول بثقة أن نتاج ما يحدث الآن هو من أجيال الأدباء والفنانين والمفكرين في دولة الإمارات لتثبت كفاءتها على المستويين العربي والدولي، أضف إلى ذلك أن الحراك الاقتصادي في دولة الإمارات واكبه حراك ثقافي واجتماعي استطاعا أن يتواكبا مع ما حققته الدولة من نمو وازدهار.
#بعد كتابك " في حقائق الوجود" أصدرت بحثك "الفنون الإسلامية".. ما الذي يشغل الباحث محمود خضر هذه الأيام؟
@أعكف الآن على الانتهاء من كتابي الجديد حول الفنون الإسلامية في الأندلس، ومن خلال البحث أستطيع القول أن العرب قد فتحوا الصين من خلال اقتناع التتار بالإسلام على الرغم من أن التتار هم الذين احتلوا العالم الإسلامي، وفشل المسلمون في فتح الأندلس على الرغم من كونهم دخلوها بجيوشهم. لأنهم فشلوا في تحرير العقل الإسباني، وربما أنتهي من كتابي هذا خلال ثلاث سنوات مقبلة وأخطط لأن أعقبه بكتاب حول الفنون الإسلامية في الدولة العثمانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق