محمود يوسف خضر

ضيف على الحياة

محمود يوسف خضر
كاتب فلسطيني ، مقيم في أبوظبي

الأربعاء، ديسمبر 14، 2011

قراءة نقدية لكتابي الجديد في صحيفة الشرق الاوسط

تاريخ الإسلام في الأندلس من خلال الفنون

محمود خضر يقدم مقاربة بصرية جديدة
أبوظبي: وليد علاء الدين
في مؤلفه الموسوعي الجديد (فنون وتاريخ المسلمين في الأندلس منذ الفتح إلى نهاية عصر الخلافة) الصادر في 326 صفحة من القطع الكبير عن دار السويدي للنشر والتوزيع في أبوظبي، ينتقل خضر من العام إلى الخاص مسلطا الضوء على الحضارة الإسلامية في الأندلس من منطلق قناعته التي تمثل أحد ثوابته الفكرية بأن الحضارات كيانات مركبة تحتوي على عناصر متعددة
ومتباينة في أصولها البشرية والثقافية، الأمر الذي يتوجب معه التدقيق في أشكال التباين والتعدد الثقافي والإثني كمظهر من مظاهر القوة والثراء في حالة الصعود والانتصار، بينما تتحول هي نفسها إلى بذور لحروب أهلية وانشقاقات في حالة التدهور والاضمحلال. في كتابات خضر، تتجاور هذه القناعة مع قناعة أخرى تبدو وكأنها نتيجة للأولى وهي أن الإنسان هو من يصنع مصيره بنفسه «فالشعوب تكتب تاريخها بإنجازاتها كما تكتبه بإخفاقاتها» وهي النتيجة التي جعلته يتخذ من الفنون مرشدا لبحثه عن الإنسان.

هذه المعادلة الفكرية انعكست بوضوح في كتابات خضر وجعلت منه رائدا في هذا المجال، ففي حين غاب عن جل الدراسات التاريخية الإسلامية أن تتعامل مع الفنون باعتبارها جزءا أصيلا من نسيج الحضارة الإسلامية، وفصلت بقية الدراسات بشكل تعسفي بين الفنون والتاريخ فقدمت إما دراسات فنية بحتة أو روايات تاريخية غابت عنها تجليات الذات البشرية، فإن دراسات خضر تعاملت مع الفنون باعتبارها «تجليات الذات البشرية» و«الوجه الآخر للإنسان» و«الصورة المادية المعبرة عن آماله ومخاوفه ودوافعه». لذا فقد جاءت كتاباته أقرب إلى إعادة لملمة لفسيفساء التاريخ دون التخلي عن روحه الإنسانية التي هي بالأساس صانعة هذا التاريخ.

انطلاقا من هذه المنصة الفكرية يستكمل خضر بحثه الموسوعي في تاريخ الفنون الإسلامية، راصدا بتأن في جزئه الجديد تاريخ المسلمين منذ دخولهم إلى الأندلس حتى سقوط الخلافة الأموية فيها.

وفقا لهذا المفهوم، يقدم خضر في كتابه الجديد قراءة تسعى إلى أن تكون مغايرة لتاريخ المسلمين في الأندلس، تحتل فيها الفنون مكانة الدليل والأثر على الوجود الإنساني لتفسر الكثير مما يبدو غامضا من دوافع وطبيعة الصراع وتمنح الكثير من القصص والروايات والأحداث روحا يصعب في غيابها الوصول إلى مقاربة منطقية أو عقلانية للتاريخ الذي سوف يبدو أسطوريا وجامدا إذا فرغناه من تلك الروح. أتاحت هذه المقاربة لخضر أن يعيد طرح الكثير من التساؤلات القديمة بجرأة أشد واثقا من قدرة منهجه على تقديم مقاربات تبدو أقرب للمنطق البشري بعيدا عن تابوهات المنطلقين من قناعات دينية مقدسة وكذلك بعيدا عن طروحات المهاجمين دون أساس علمي، أصبح بإمكانه أن يعيد البحث في الالتباس المصطلحي الذي أثارته الحرب التي دارت رحاها بين المسلمين والمسيحيين القوط في إسبانيا، ويتساءل دون مواربة ما إذا كان محرك هذه الحرب الصراع من أجل امتلاك ثروات الآخر، أم أنها كانت فتحا تحركه الدوافع الدينية من أجل نشر الدين الإسلامي؟ محاولا تحكيم منهجه الجديد في الحكم على طبيعة الصراع بعد أن انتهت تلك الحقبة التاريخية بالنتيجة المعروفة للجميع. ليخلص إلى أن الصراع لم يكن دينيا إلا في «صوريته» فقط من أجل إخفاء حقيقة الصراع على السلطة والثروة، مؤكدا أن حوادث تاريخية كثيرة تثبت تلك الرؤية، محذرا من «أن استمرار الحديث عن الأندلس باعتبارها الفردوس المفقود والتركيز على إظهار بطولات زائفة وغض النظر عن الدناءات والخيانات، سوف يحول دون التمكن من الاستفادة من المعرفة وتوظيفها لصنع مستقبل أفضل، فما نحن عليه اليوم هو نتاج لما مر علينا، ومن دون القراءة النقدية لهذا التاريخ لن نستطيع استشراف مآلاتنا في المستقبل».

هذه المنهجية ذاتها هي التي جعلت خضر ينفق أكثر من 8 أعوام – منذ صدور الجزء الأول من موسوعته البحثية - من أجل صنع مرجعين موازيين للدراسة، أحدهما بصري يضم مئات الصور واللوحات والرسوم والنقوش والتخطيطات الموثقة لتجليات الذات الإنسانية في مرآة الفنون في الحقبة الأندلسية، مصنفة ومعرفة وفقا لنظم علمية سليمة، ومطبوعة وفقا لأحدث الطرق لتكون شهادة على صحة قراءته للتاريخ، وهو الأمر الذي يعد – في حد ذاته - إضافة قيمة للمكتبة العربية التي تعاني من فقر شديد في هذه الناحية.

أما المرجع الآخر فهو كما أطلق عليه صاحبه «إضاءات» تضمن شرحا لبطون ما خفي في المتون، وضم نحو 500 إشارة جمعها خضر من بين عشرات المراجع والمصادر التي استعان بها في إتمام دراسته، بهدف إغناء البحث واستكمال الصورة منطلقا من قناعته بأن إعادة قراءة الأحداث التاريخية ينبغي أن يكون وفقا لتسلسلها ولنتائجها ومسبباتها مع إلقاء الضوء على طبيعة الصراع وتتبع الخيط المتعرج يمينا وشمالا وصعودا وهبوطا وفقا لما جرى من أحداث، وصولا إلى معرفة تثرينا وتساعدنا على التقدم وتعطينا القوة على مواجهة الحياة.

تنقسم الدراسة إلى 3 أبواب رئيسية وفقا لتسلسل أحداث التاريخ خلال فترة الوجود الإسلامي في الأندلس، حيث يتناول الباب الأول عصر الولاة، ويضم 4 فصول تناولت الفتح الإسلامي لبلاد المغرب، أفريقيا، ثم إسبانيا قبل الفتح الإسلامي، ثم فتح العرب لإسبانيا، وأخيرا العمارة والفنون الأندلسية في عصر الولاة. أما الباب الثاني فيتناول فيه الباحث عصر الإمارة، ويضم 4 فصول تناولت بالبحث عصر الولاة وقيام عصر الإمارة، ثم فجر عصر الإمارة، ثم عصر الإمارة والفتنة الكبرى، ثم العمارة والفنون الأندلسية في عصر الإمارة. ويتعرض الباب الثالث والأخير عبر فصوله الأربعة إلى عبد الرحمن الناصر وقيام عصر الخلافة، وازدهار عصر الخلافة وقيام الدولة العامرية، ثم سقوط الخلافة الإسلامية في الأندلس، وأخيرا العمارة والفنون في عصر الخلافة.

ويرصد خضر من خلال منهجه المركب لقراءة التاريخ أهم المفاصل التي يراها محورية، ومنها دور اليهود في تسهيل استيلاء المسلمين على غرناطة التي صمدت طويلا أمام حصارهم إلى أن «تحالف يهود المدينة معهم فسقطت غرناطة»، ويرى كذلك أن انتقال الضغائن والخصومات القبلية مع العرب الذين دخلوا الأندلس وأقاموا بها كانت السبب الذي أدى إلى انهيار الدولة. إذ «هبت كوامن الخصومة والنفور بينهم» وهذا ما أدى إلى انهيار الدولة بسقوط غرناطة عام 1492 حيث سلمها الملك أبو عبد الله محمد الصغير للملك فرديناندو الخامس. ويقول إن الصراع على الحكم في العالم العربي بين دمشق حيث الأمويون وبغداد حيث العباسيون كانت له انعكاساته على دولة المسلمين في الأندلس وما يحيط بها من ممالك مسيحية إذ حاول الملك الفرنسي شارلمان انتزاع الأندلس من أيدي المسلمين بعد تكرار غزواتهم لجنوب بلاده. ويضيف أن الخلافة العباسية في بغداد لم تكن بعيدة عن «تأييد سياسة الفرنج» بهدف مناوأة بني أمية الذين تمكنوا من انتزاع هذا القطر النائي وأقاموا فيه دولة قوية، فأقام الخليفة المأمون «صداقة مع الفرنج وتبادل معهم السفراء وكذلك فعل هارون الرشيد الذي وطد علاقته بشارلمان».


ويرى خضر أن القسطنطينية - عاصمة الإمبراطورية البيزنطية التي تأخر دخول المسلمين إليها حتى عام 1453 ميلادية - كان يمكن الاستيلاء عليها عام 713 ميلادية لو سمح لقادة الجيش العربي في الأندلس بالتقدم إليها. ويقول إن موسى بن نصير شرع في اختراق الجنوب الأوروبي بهدف الوصول إلى روما مركز المسيحية وكان يسهل عليه تنفيذ الخطة في ظل اضطراب الدول الأوروبية. ولكن الوليد بن عبد الملك حذره أن يتوغل فقضي على «مشروع موسى بغزو روما ثم دخول القسطنطينية فارتد مرغما»، ثم استدعى الوليد بن عبد الملك القائدين موسى بن نصير وطارق بن زياد. ويشير المؤلف إلى ما أوردته مصادر تاريخية من أن الوليد بن عبد الملك أمر باستدعاء ابن نصير وابن زياد لخشيته على جيش المسلمين بالأندلس بعد خلافهما، وخوفه من أن يتجه موسى إلى الاستقلال بذلك الملك الجديد النائي عن الخلافة، بالإضافة إلى ما بلغ الوليد من أخبار عن وفرة الأموال والتحف والسبايا التي غنمها المسلمون من الأندلس، ولذلك فقد عاد القائدان إلى دمشق عام 715 ميلادية قبيل وفاة الوليد بن عبد الملك بأربعين يوما، فلم يحسن خلفه سليمان بن عبد الملك معاملة موسى بن نصير وسخط عليه «وبالغ في إهانته وسجنه» ثم عفا عنه.


ويرجح خضر الرواية التي ذهبت إلى أن سليمان بن عبد الملك حين كان وليا للعهد، أمر موسى بن نصير بالتباطؤ عن دخول دمشق إلى أن يموت أخوه الوليد بن عبد الملك «ويستولي هو على الغنائم والأموال والسبايا القادمة مع موسى» الذي رفض ذلك، فأساء سليمان معاملته بعد أن ولي الخلافة ولولا تدخل أحد أصدقاء الخليفة لمات موسى بن نصير في السجن. ويشير خضر إلى سكوت المصادر العربية عن مصير طارق بن زياد الذي ترجح المصادر انتهاء حياته في دمشق.
 المصدر:: صحيفة الشرق الأوسط 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق