محمود يوسف خضر

ضيف على الحياة

محمود يوسف خضر
كاتب فلسطيني ، مقيم في أبوظبي

السبت، أغسطس 25، 2012

هبوب الغمة على عقل الأمة

إقرأ المقال على جريدة الحياة

محمود يوسف خضر *
الأحد ١٩ أغسطس ٢٠١٢

تميزت مسلسلات رمضان لهذا العام بعودة عدد كبير من الفنانين الكبار الى الشاشة الصغيرة، في وقت تتزامن فيه أحداث سياسية تمثل منعطفاً تاريخياً لمستقبل المنطقة العربية، مما يثير الكثير من التساؤلات حول نجاح تلك المسلسلات في مواكبة الأحداث الجارية وفي قدرتها على التعبير عما تعانيه شعوبنا العربية من مرارة العيش وقلة الحيلة. بلغ عدد المسلسلات المصرية 60 مسلسلاً، ولحق بها العشرات من الأعمال الدرامية الخليجية ومن المغرب العربي والمشرق. واقتصرت متابعتي على ثلاثة مسلسلات، وهي التي سأتعرض إلى مضامينها، وقد جذبني إليها كبار النجوم الذين يلعبون أدوار البطولة فيها، ولكونها جديرة بالمتابعة والتأمل والنقد.

الفنان القدير يحيى الفخراني، والذي وصل إلى قمة أدائه في مسرحية «الملك لير»، يقع في فخ القيام بدور الخواجة عبدالقادر الذي أجاد في أدائه وأبدع، إلا أننا نَعيب على المسلسل المضمون الفكري الهش الذي تدور الأحداث من حوله، فهو يُدخل الخواجة إلى دين الإسلام من باب التصوف، وتتشكل قناعاته من خلال الأحاسيس وليس العقل. واستجابة عبدالقادر العاطفية والنفسية للشيخ عبدالقادر السوداني وتابعه فضل الله فاقت قناعته بالإسلام كعقيدة. وتدور الأحداث ما بين السودان ومصر في فترة الملكية، وضمن مشاهد لم يبذل المخرج أو كاتب السيناريو العمق الفكري الواعي والمجهود الفني اللازم لجلعها منطقية مقنعة، ممكنة الحدوث، ولو في حدود الاحتمال الدنيا. وتبلغ ذروة الاستخفاف بعقلية المُشاهد، عندما يُحبس – بالصدفة – الخواجة والطفل كمال في جناين زينب، فيدعو الخواجة مناجياً ربه «الله يا قادر فك أسر عبدالقادر»، وسرعان ما نجد الاثنين أصبحا خارج الأسوار نتيجة الدعاء ومن دون سبب منطقي يربط ما بين النتائج والأسباب، وكأننا أمام حركة سحرية أو لعبة بهلوانية أو شطحة خفية غامضة يمكن أن تنطلي على الأطفال، لكنها لا يمكن أن تقنع مشاهدين راشدين. فلماذا لم يلجأ الكاتب إلى تعاطف الحارس، على سبيل المثل، أو تغافله بترك المفتاح بالباب، أو أي لمسة فكرية وفنية محتملة ومقنعة؟ ولماذا لم يعتمد المخرج، وعلى سبيل المثل أيضاً، إلى إحضار حنطور أو حصان جامح يرتطم بباب الحديقة فيكسره؟ وبذلك يتسنى للخواجة الخروج من محبسه في شكل يحترم عقولنا؟ وكيف يطرح أن كثرة الأحلام والرؤى لدى شخصيات المسلسل تتحقق بهذه الطريقة الافتراضية الساذجة؟ أين نحن من هذا الهذيان والعبث والاستهتار؟

ولكن، حتى لا يظن أحد أنني أتحامل على هذا العمل وأصحابه، يُحسب للمسلسل كسره قالب الشخصية ذات البشرة السوداء والتي دائماً توظف في الدراما المصرية في مهن هامشية، كالطباخ أو السائق أو الخادم والخروج من هذه النمطية المقيتة إلى رحاب أوسع. وعلى العكس من ذلك التقليد البائس، قدمت لنا الشخصية السودانية في هيئة متصوف جليل هو الشيخ عبدالقادر وتابع مخلص من الأتقياء هو فضل الله. ويحسب للمسلسل أيضاً إتقان مجموعة الممثلين في أداء أدوارهم بمهنية وكفاءة.

ليس لنا أن نتصور أن الأعمال الفنية هي للفرجة والمتعة فقط، وبخاصة في رمضان، بعيداً من أي رسالة إنسانية أو هدف تربوي أو ثقافي. إن وعي الأمة يتشكل من خلال الإعلام والثقافة والتعليم، وهو وعي ينبغي أن يتوجه نحو بناء المستقبل المرتجى وبعده الحضاري، وليس لاجترار الماضي وتجميل عطالته الذهنية وتكريسها. ولعل خطر الإعلام هذا الذي يدخل بيوتنا من دون أن نذهب إليه والذي يُبث إلينا من خلال شاشات التلفزيون، فالأفكار التي تحتويها المسلسلات تؤثر في الواقع الاجتماعي، والواقع الاجتماعي بدوره يؤثر في الأفكار، وإن لم نكسر هذه الحلقة الجهنمية من التخلف الفكري والمتفاعلة جدلياً مع الواقع الاجتماعي، من خلال الأفكار التنويرية والعلمية، فسنظل نلهث في دائرة مغلقة بلا طائل، وسيظل الإعلام في هذه الحالة محصوراً في جانبه الترفيهي فقط من دون التأثير في الواقع الاجتماعي وما يصاحبه من تنشئة سياسية، بالمفهوم الواسع لمعاني السياسة.

متى ستعالج الدراما المشاكل الحقيقية لمجتمعاتنا؟ كانت الفرصة سانحة في مسلسل «باب الخلق» الذي تدور أحداثه ما بين عامي 1985 و 2010، والذي يتحدث عن عودة المدرس أبو عبدالله الذي هاجر من مصر ليعمل مدرساً للغة العربية في أواسط آسيا وانتهى به الحال جهادياً متطرفاً، ويجسد الشخصية الفنان القدير محمود عبدالعزيز.

ابتعد المسلسل عن معالجة ظاهرة المتطرفين الإسلاميين والبيئة الاجتماعية المنتجة لهم، ومحاربة أفكارهم، ونشر الفكر التنويري، إلا أننا نرى أيضاً معالجة سطحية ركيكة لما يعانيه المجتمع المصري من البطالة والتخلف، وتأتي في صيغة مباشرة ممجوجة في حديث تلفزيوني لأبي عبدالله. والمسلسل لا يتميز بقوة السيناريو في حين تبدو بعض الأحداث غير متماسكة، وهناك تصرفات تتسم بالعصبية من أحد كبار ضباط مباحث أمن الدولة، لا تتناسب مع طبيعة عمله. ويبلغ العمل قمة الاستخفاف بعقلية المشاهد عندما يكتشف الأمير أبو عبدالله أن ابن أخته – خريج كلية الحقوق بتفوق – يعمل صبي راقصة في مشهد يحمل فيه الصناجات مراقصاً الممثلة دينا في حين أن أخاه يَحيى – تامر هجرس - يعمل أميناً عاماً للحزب الحاكم ولديه من النفوذ والسلطة ما يمكنه من معرفة الكثير من الأسرار والخفايا. إلا أنه لم يلاحظ أن الراقصة التي تقف في مواجهته هي جارتهم في باب الخلق، وأن من يراقصها هو ابن أخته. هل كنا بحاجة إلى عيون أبو عبدالله ليكشف لنا عن المستور؟ ركز كاتب السيناريو على عودة محمود عبدالعزيز من أواسط آسيا، ولا توجد حكاية تخص نشأته، وتم استخدام الأمير العائد داخل السلطة المصرية للاستفادة منه ضمن سلطة المحاسيب وتسويق الإعلانات في أوقات المشاهدة المرتفعة، من دون التطرق الى أسباب التطرف أو طرق مكافحته. وقد حصر سلطة أمن الدولة لمصلحة سلطة المحاسيب، فتمت الاستفادة منه إعلامياً واستثماره مالياً، وكنا نحن المشاهدين الضحية فتقطع المسلسل بالإعلانات وبذلك نكون قد دفعنا الثمن مرتين.

أما مسلسل «سيدنا السيد» فيبدو أكثر تماسكاً وإقناعاً، ويقوم ببطولته الفنان جمال سليمان، ويلامس في أجوائه وبنيانه الاجتماعي رائعة توفيق الحكيم «يوميات نائب في الأرياف». وتدور أحداثه في أحد نجوع صعيد مصر ويبدو فيها فضلون الديناري (سيدنا السيد) الشخصية المحورية التي تدور من حولها الأحداث. وهو يمثل المستبد العادل الذي يحكم تلك البلدة بالحديد والنار في منظومة من العدالة التي تضمن استمراريته وذريته في السلطة، في حين أن الأحداث يرويها مفتش الري الذي يتولى الإشراف على توزيع المياه على أراضي الفلاحين ويؤدي الدور الفنان أحمد الفيشاوي. والمسلسل يتناول التاريخ الاجتماعي لشريحة في المجتمع المصري في فترة الملكية، ويلامس في تماسكه الأعمال العظيمة لأسامة أنور عكاشة من قبيل ليالي الحلمية وأبو العلا البشري. وما يثير حفيظتنا في هذا الكم الهائل من المسلسلات فقدانها البناء الدرامي، فالمسلسل يتبنى نمط الحكائين في الرواية وليس البناء القائم على صراع المواقف والأفكار، وبذلك يجنح إلى أن يكون توثيقياً للمجتمع في شكل ظاهري من دون الخوض في التحليل أو الغوص قليلاً أبعد من السطح.

متى سنرى أعمالاً مأخوذة من حياة الناس البسطاء الذين غرقوا في عبَّارة السلام أو وهم في طريقهم إلى أرض الأحلام في أوروبا أو البسطاء الذين يملأون الباصات والصيادين الذين يجوبون البحار بحثاً عن رزقهم وغيرهم من شرائح المجتمع المصري المثقل بالهموم؟ متى سنرى قيمة مضافة يكتسبها المشاهد لدى مشاهدته تلك الأعمال، تبقى معه، وتعينه على فهم التاريخ وتفسير الواقع واستشراف المستقبل؟

يحق لنا أن نسأل بصوت مرتفع: متى سيكف صناع الأعمال التلفزيونية (الحكائون) عن تسطيح الرؤية واستغبائنا وتجاوز الواقع إلى ما هو غير واقعي؟ ومتى سنرى مسلسلات تحترم عقولنا مستمدة من أعمال أدبية جليلة لكتاب مشهود لهم بالبراعة والحنكة في كتابة القصة والرواية؟ ومتى سنرى مسلسلات تحمل في ثناياها ولو قبسات من المفاهيم العلمية، وتعالج من خلال الدراما، الجهل والتخلف ومشاكل التنمية التي تثقل كاهلنا وتضعنا في آخر الأمم؟ أخشى أن تظل الأطماع التجارية وأحلام الربح السريع هي التي تتحكم بأكثر الأعمال الفنية التي تهدر من حياة الأمة وتطلعات شعوبها إلى الحرية والعدالة أكثر وأخطر مما تضيع من أوقاتنا الشخصية في سبيل لحظات معدودة من «الإمتاع والمؤانسة»، إذا جاز لنا أن نستعير هذه العبارة المشرقة التي صاغها أبو حيان التوحيدي قبل أكثر من ألف علم.





* كاتب فلسطيني مقيم في أبو ظبي

الأربعاء، فبراير 29، 2012

مقالي المنشور في جريدة الحياة في رثاء د. ثروت عكاشة



 ثروت عكاشة 
الضابط المتنور رسّخ الثقافة المصرية الحديثة



مات ثروت عكاشة، عاشق الفنون وحارس الثقافة الأبدي، «بروميثيوس» العصر الحديث. رحل عن واحد وتسعين عاماً امضى معظمها في المعترك الوطني والثقافي، هو الذي شارك في صنع ثورة 1952 وكان قائداً لسلاح الفرسان. وقد انطلق مع زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة في هدف تخليص الوطن من قيود الاستعمار والاستغلال ورد الاعتبار إلى الشخصية المصرية.

في رثاء ثروت عكاشة

ثروت عكاشه
منارة لا يخبو ضوءها

لا الوقت ولا الحزن قادران على تهدئة القلب لفراق ثروت عكاشه، مات عاشق الفنون وحارس الثقافة الأبدي، "بروميثيوس" العصر الحديث. ولد في القاهرة في 18 فبراير 1921 وتخرج من الكلية الحربية عام 1939 ومن كلية الأركان عام 1948، شارك في صنع ثورة 1952 وكان قائداً لسلاح الفرسان. لقد انطلق مع زملائه أعضاء مجلس قيادة الثورة بهدف

الأربعاء، فبراير 22، 2012

محمود خضر: الإرث الفكري العربي يعتمد على الخرافة


مقابلة صحافية

العدد 8795 من صحيفة الخليج اليومية الموافق الأربعاء ربيع الثاني 1424 هـ 18 يونيو 2003م
مؤسسة "بروتا" للسلام ترجمت أحد كتبه إلى الإنجليزية
محمود يوسف خضر: الإرث الفكري العربي يعتمد على الخرافة
الباحث محمود يوسف خضر مولع إلى حد كبير بطرح التساؤلات ومحاولة البحث عن أجوبة لها، فمنذ كتابه الأول (في حقائق الوجود) مرورا ببحثه الذي أعاد طرح موضوع الفنون الإسلامية من زاوية جديدة، وهو يثبت أن المهمة الأكثر أهمية التي يجب أن يضطلع بها المثقف العربي الآن هي التساؤل والبحث عن أجوبة بهدف احداث رجة من شأنها تحطيم الأساسات الهشة التي تشوه خلاصات الفكر العربي، ولا يستطيع الفكاك من أسرها من أجل الانطلاق قدماً في سبيل التنمية.

دلالات متعددة لـ "ثقافة الموبايل"


  دلالات متعددة لـ "ثقافة الموبايل" من خلال رسائل الكترونية شائعة

مقال نشر في صحيفة الحياة اللندنية
 بتاريخ 24/11/2001

لم يكن من السهل التغاضي عن مجموعة النكات والرسائل الالكترونية التي يمطرني بها الأصدقاء والزملاء في العمل والتي تصلهم من خلال أجهزة الهاتف المحمول، ولقد عملت على تجميعها وتصنيفها محاولاً الوصول إلى أهدافها ودلالاتها انطلاقاً من مبدأ يقول: لا يوجد شيء من دون علّة.

الجمعة، فبراير 17، 2012

في رثاء أحمد صدقي الدجاني

هناك رجال يبقون دائماً ...
المفكر الراحل الباقي/  أحمد صدقي الدجاني

بعد نضال طويل طويل توفي أحمد صدقي الدجاني في مسكنه أمام حديقة الميريلاند في القاهرة في 29 ديسمبر 2003 عن 67 سنة وعلمت بوفاته من خلال جهاز التليفزيون

الثلاثاء، فبراير 14، 2012

في رثاء الشيخ زايد


في رثاء الشيخ زايد
لم يكن مساء الثاني من تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 2004، كأي مساء. جاء ثقيلاً مع وطأة النبأ – الفاجعة، الذي هوى علي كالصاعقة، فأفقدني توازناً تأسَس بداخلي منذ اللحظات الأولى لقدومي إلى إمارة أبوظبي.

الأحد، يناير 01، 2012

حول عقوبة الإعدام 5

عقوبة الإعدام ما بين الإبقاء والإلغاء


انقسم الفلاسفة وعلماء الاجتماع وفقهاء القانون إلى تيارين متناقضين، حول مدى جدوى عقوبة الإعدام، فذهب التيار الإبقائي إلى العمل على إبقاء هذه العقوبة، في حين ذهب التيار الإلغائي إلى العمل على هدم حجج التيار الإبقائي وإبراز حججه التي تدعو إلى إلغاء هذه العقوبة.
الإعدام في المجتمع الجاهلي


كان العرب في العصر الجاهلي مجموعات من البدو الرحل، تضرب في الأرض بحثاً عن الماء والكلأ، وكان المجتمع العربي يقوم على أساس القبيلة، وهي تتكون من مجموعة من الأسر تعتبر نفسها ذات أصل واحد مشترك، والرابطة التي تصل ما بين أفراد القبيلة هي رابطة الدم التي قد تكون أول الأمر حقيقية، ولكنها سرعان ما تتقلص، إذا تتداخل في بنيان القبيلة عناصرغريبة وتنخرط فيها.

حول عقوبة الإعدام

الإعدام في قانون حمورابي



حكم حمورابي، ما بين 1728 ق.م و 1686 ق.م، بلاد ما بين النهرين بما فيها بلا آشور، ثم ضم إلهيا "مملكة ماري" على الفرات الأعلى على بعد "450" كم في الشمال الغربي لبابل، ولقد تم في ذلك العهد توحيد تشريع البلاد وإحلال اللغة الأكدية، لغة رسمية للدولة محل اللغة السومرية، وجعل ديانة "مردوخ" إله البابليين، هي الديانة الرسمية للدولة.

حول عقوبة الإعدام

الإعدام في مصر الفرعونية




يُعتبر الدين من أهم الدعائم التي بُنيت عليها الدولة الفرعونية، وكان دافعاً لسلوك الإنسان حينذاك، فبنى الأهرامات كمدافن لملوكه، وأتقن التحنيط لاعتقاده بالخلود، إذ كان الإنسان في اعتقادهم مكوّناً من عدة قوى لكل منها عملها، فإلى جانب الجسم يوجد "القرين" ويدعى "الكا"، وهو شبح غير منظور للإنسان، يشبه صاحبه تماماً ومُمثَّلاً بشكل ذراعين مرفوعتين للتضرّع والحماية، وإلى جانب "الكا" يوجد "البا" أي الروح وقد تخيَّلها الفراعنة على هيئة طائر برأس إنسان.